مستقبل العمل النقابي في لبنان

25 شباط 2025
هل تعود النقابات إلى الواجهة؟
بقلم باسم جوني
تُعد النقابات العمالية من الركائز الأساسية في بناء المجتمع المدني والدفاع عن حقوق العمال. في لبنان، بدأت هذه الحركة بشكل رسمي في بداية القرن العشرين، حيث تم تأسيس أول نقابة على الأراضي اللبنانية عام 1912 خلال فترة الحكم العثماني، وذلك عبر تشكيل نقابة لعمال ومستخدمي سكك الحديد. في عهد الانتداب الفرنسي، ومع ارتفاع الأسعار، طالبت "جمعية التعاضد في سكة الحديد" بزيادة الأجور في لبنان وسوريا. ولعدم الاستجابة لمطالبها، توقف العمال عن العمل، ما أسفر عن أول إضراب عمالي، نتج عنه فيما بعد تأسيس حزبين سياسيين على أساس عمالي بين عامي 1921 و 1924. ومع انتهاء الانتداب الفرنسي، شهدت البلاد خطوة هامة في مسار التنظيم العمالي بتأسيس اتحاد نقابات العمال والموظفين في عام 1944 بعد إعلان دولة لبنان الكبير، الذي ضم 15 نقابة. وعرفت هذه الحقبة موجة من الإضرابات العمالية والقطاعية، بدءًا من إضراب موظفي شركة الكهرباء وعمال شركة الريجي (التبغ)، وانضمام عمال المرفأ عام 1946 مطالبين بزيادة الأجور، ما دفع مجلس النواب إلى إقرار قانون العمل. استمرت الحركات النقابية بالتصاعد عبر خوض معارك مطلبية تحت عدة عناوين، كان أبرزها الضمان الاجتماعي، وتصحيح الأجور، وعقود العمل، وصولًا إلى تأسيس الاتحاد العمالي العام عام 1958. لعبت النقابات دورًا محوريًا في التحركات المطلبية لم يخفت على الرغم من اندلاع الحرب الأهلية وما تلاها من انقسامات مجتمعية ، بل وأنها ساهمت بشكل مباشر في مواجهة السلطة والدفاع عن حقوق العمال. ولعل أبرز التحركات في تلك الفترة كانت على يد الاتحاد العمالي العام الذي نظم تظاهرات في مختلف المناطق اللبنانية احتجاجًا على انهيار العملة الوطنية عام 1992، أوصلت إلى إسقاط الحكومة.

ومنذ عام 1997، شهد العمل النقابي تراجعًا في فعاليته وسعيه وراء الحقوق العمالية نتيجة سيطرة السلطة السياسية على الاتحاد العمالي العام، إذ أصبحت القيادات النقابية تُعيّن من قبل الأحزاب الحاكمة في مسار واضح لخرق النظام اللبناني للهيكل النقابي. في هذا السياق، شهدت الساحة اللبنانية فراغًا شبه تام في الحركات المطلبية العمالية، فملأته الأحزاب السياسية الحاكمة، وباتت الأحزاب المشاركة في الحكومة والمجلس النيابي هي نفسها التي ترشّح أسماءً في الانتخابات النقابية المختلفة، فأصبحت النقابات توأمًا لمؤسسات الدولة من ناحية المحاصصات الطائفية الداخلية، عوضًا عن استخدمها كأداة مواجهة، ضمن النكايات السياسية التي تتّبعها السلطة.

قبل عام 2019، كانت هناك محاولات من مجموعات معارضة للأحزاب السياسية للمشاركة في الاستحقاقات النقابية، لكن لم تكن تلك المشاركة بنفس الزخم الذي شهدناه لاحقًا. بعد انتفاضة 17 تشرين، بدأ الاهتمام بالانتخابات النقابية يتزايد بشكل ملحوظ، إذ أدرك الأفراد أن الانتفاضة كانت تفتقر إلى نقابات فاعلة تمثل مصالحهم وتواجه الأحزاب السياسية الحاكمة. وقد دفع هذا الإدراك العديد من الأفراد إلى دعم مرشحين من المجموعات المعارِضة، ما ساهم في إعادة تفعيل المشاركة في الانتخابات النقابية كأداة لمواجهة الطبقة الحاكمة.

تًرجم هذا الزخم إلى فوز المرشح المدعوم من قبل مجموعات 17 تشرين "ملحم خلف" في نقابة المحامين عام 2019، كما امتد إلى اكتساح المعارضة المتمثلة بـ "النقابة تنتفض" لانتخابات نقابة المهندسين عام 2021، عبر فوزها بحصد مقعد النقيب وأعضاء مجلس النقابة ورؤساء الفروع. وعلى الرغم من الحشد الكثيف حينها، إلا أن الفراغ عاد ليملأ الشارع المعارض نتيجة غياب أي إنجازات تُذكر، مع عودة تعنت السلطة التي تقاطعت مصالحها مع مصالح بعض مجموعات المعارضة، مما أتاح للأحزاب السياسية فرض غطائها على المشهد من جديد.

على الرغم من الإنجازات التي حققتها الحركة النقابية في لبنان على مر السنين، فإنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة. فمنذ انتهاء الحرب الأهلية، تراجعت قوة النقابات بسبب تدخل الأحزاب السياسية وهيمنتها عليها، مما أضعف قدرتها على الدفاع عن حقوق العمال. ومع ذلك، فإن انتفاضة 17 تشرين أعادت إحياء الاهتمام بالعمل النقابي، وأظهرت إمكانية تفعيل دور النقابات كأداة لمواجهة السلطة والدفاع عن مصالح العمال.

يعتمد مستقبل الحركة النقابية في لبنان على قدرتها على استعادة استقلاليتها عن الأحزاب السياسية، وتوحيد صفوفها، وتطوير استراتيجيات جديدة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد، وعلى مدى إدراك العمال لأهمية العمل النقابي في حماية حقوقهم وتحسين ظروف عملهم. لا شك أن الطريق لا يزال طويلًا، لكن الأمل موجود في إمكانية إحياء الحركة النقابية في لبنان، واستعادة دورها التاريخي في الدفاع عن حقوق العمال وبناء مجتمع أكثر عدالة ومساواة.
العودة إلى المقالات
white icon wakilni

Got questions?
We’re here for support!

chat with us

Working Hours
Monday to Friday
from 8am till 5pm
Saturday
from 8am till 1pm

Delivering across Lebanon
within 24 to 72 hours
Range 4$ - 8$

Order a Service

Place your order quickly below or download our app and do it on the go anywhere and anytime.

track order wakilni in popup Track Orders close popup