التعامل مع الأزمة في لبنان

14 كانون الثاني 2025
واقع الاقتصاد في ظل القوة المؤثرة للجاليات وللعمل غير المنظم
واقع الاقتصاد في ظل القوة المؤثرة للجاليات وللعمل غير المنظم
شهد لبنان في السنوات الأخيرة أزمات مالية غير مسبوقة، بالإضافة إلى اضطرابات على الصعيد الاجتماعي وتحولات سياسية غيرت نسيجه الاجتماعي والاقتصادي بشكل جذري. وفي الوقت الذي يصارع فيه البلد بالتعامل مع عواقب الأزمة المالية لعام 2019، يوجد مصدران رئيسيان لرأس المال الأجنبي، وهما التحويلات المالية من الجالية في الخارج وعائدات القطاع السياحي، ويُعتبران شريان حياة محتمل لاقتصاد متهالك. ونظرًا إلى الدور المتنامي الذي تلعبه الجالية اللبنانية على صعيد المشاركة السياسية، وفي ظل تزايد الطابع غير الرسمي للقوى العاملة اللبنانية، فإن هذه العوامل تقدم فرصة لبناء علاقة مختلفة مع الشتات اللبناني، مما يسمح لنا بمأسسة دورهم وتوجيهه لخدمة مصالح غالبية المقيمين والمغتربين. تستند هذه المدونة إلى مقالات نشرتها The Policy Initiative التي تستكشف كيف أعادت المشاركة السياسية المتزايدة للشتات اللبناني تشكيل الديناميكيات الانتخابية، وتنظر أيضًا إلى العلاقة بين التحويلات المالية والسياحة وتحولات القوى العاملة من جهة، والتعافي الاقتصادي للبلاد من جهة أخرى.

التحرك السياسي للجاليات: الانتخابات البرلمانية لعام 2022
لعبت الجاليات اللبنانية دورًا محوريًا في تشكيل نتائج الانتخابات البرلمانية لعام 2022، إذ تشير جورجيا داغر في تحليلها لأنماط تصويت الشتات في انتخابات 2022 أنّ ارتفاع مشاركة الجاليات اللبنانية كان ملحوظًا من حيث الأعداد ومن حيث التفضيلات السياسية. كان الناخبون في الشتات أكثر ميلًا إلى دعم المرشحين المستقلين، مقارنةً بالناخبين داخل لبنان، وكان لهم دور كبير وراء انتخاب ما لا يقل عن سبعة مرشحين برلمانيين، خمسة منهم مستقلين على حدّ زعمهم. يمكن أن يُعزى هذا الارتفاع في دعم المرشحين المستقلين إلى أنّ العديد من المواطنين اللبنانيين هاجروا بعد الأزمة المالية وانفجار مرفأ بيروت، مما حفز رغبتهم في التغيير السياسي، ولذلك تمثل مشاركة الجاليات في الانتخابات تزايد نفوذهم في المشهد السياسي في لبنان، وهو النفوذ الذي من المرجح أن يستمر مع في الانتخابات في المستقبل.

التحديات الاقتصادية: التحويلات المالية والسياحة لا تكفي لسد الفجوة
لطالما تمّ تصوير تدفقات العملات الأجنبية مثل التحويلات المالية والسياحة على أنها حلول محتملة للمشاكل الاقتصادية التي يواجهها لبنان، لكن مصادر للدخل هذه لم تكن يومًا كافية للتخفيف من حدة التحديات التي تواجهها البلاد، بل بالعكس، أدت في كثير من الأحيان إلى تفاقم الفوارق القائمة. يشرح حسين شعيتو وسامي زغيب أنّ التحويلات المالية دعمت إلى حد كبير القدرة الاستهلاكية لشريحة صغيرة من المجتمع اللبناني بدلًا من أن تساهم في توسيع الاستثمارات أو خلق فرص عمل. ويتم توجيه معظم التحويلات المالية من خلال قنوات غير رسمية، متجاوزة النظام المالي الرسمي، مما يحول دون إعادة استثمارها في الاقتصاد ويحد من قدرتها على العمل كأداة حقيقية للتعافي الاقتصادي. وفي غياب الإصلاحات البنيوية الكبيرة، من المرجح أن تظل التحويلات المالية حلاً مؤقتًا لا يستفيد منها سوى جزء ضئيل من السكان، دون أن تتم معالجة الأسباب الجذرية للأزمة المالية في لبنان. وعلى نحو مماثل، فشلت السياحة في تعزيز الاقتصاد بنطاقه الأوسع، إذ تتركز الإيرادات في أيدي الشركات الكبرى، مما يحول دون استفادة غالبية العمال من النمو الناجم عن السياحة. وعلى الرغم من التوقعات بازدهار السياحة في أعقاب قرار وزارة السياحة اللبنانية بالسماح للشركات بتسعير الخدمات بالدولار الأميركي، فإن قطاع السياحة لا يزال غير متكافئ إلى حد كبير. كما أنّ عوامل مثل النقص في إعادة الاستثمار في قطاع السياحة، وقِلة نسبة العمال اللبنانيين الذين يتقاضون أجورهم بالعملات الأجنبية، قد منعت عائدات السياحة من أن تترجم إلى نمو اقتصادي واسع النطاق. ويعكس تركّز الأرباح في قطاع السياحة الفجوات الاقتصادية الأوسع نطاقًا التي ابتلي بها لبنان لسنوات.

القوى العاملة المتغيرة في لبنان: العمالة غير الرسمية
تبرز بشكل متزايد ظاهرة العمالة غير الرسمية في سوق العمل، لتشكّل عاملًا آخرًا ضمن سلسلة التحديات الاقتصادية. وهنا تسلط المقالة "Blurred Lines: Lebanon’s Mutating Workforce" الضوء على أنّ الانهيار المالي أحدث تحولًا كبيرًا في بنية القوى العاملة في البلاد، إذ تستشري نسبة الوظائف غير رسمية، وهي تتسم بغياب الأمن الوظيفي والحماية الاجتماعية وحقوق العمل. وتتجلى هذه التحولات بشكل خاص في قطاعات مثل الإدارة العامة، حيث تشهد الوظائف غير الرسمية بشعبية متنامية. وقد أدى ارتفاع نسبة الوظائف غير الرسمية إلى تفاقم الظروف الاقتصادية للعديد من العمال اللبنانيين، مما دفعهم إلى العمل في وظائف محفوفة بالمخاطر بأجور ودرجة أمن وظيفي منخفضة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ سوق العمل غير الرسمي يشهد نمو في وقت خسرت فيه الليرة اللبنانية معظم قيمتها، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للعمال. ونتيجة ذلك، يتزايد الفقر وتتقلص الطبقة المتوسطة ويتفاقم التفاوت في لبنان، مما يحد من فرص الحراك الاقتصادي. في ظل غياب سياسة عمل شاملة تعمل على إضفاء الطابع الرسمي على التوظيف وضمان الحماية الاجتماعية، ستستمر القوى العاملة في لبنان في التحول بطرق ترسخ حالة عدم الاستقرار، وإن العمل غير الرسمي، حاله حال التحويلات المالية والسياحة، هو مجرد حل مؤقت لأزمة اقتصادية متجذرة في لبنان.

خطة الإنقاذ تحتاج إلى أكثر من مجرد رأس مال أجنبي وعمالة غير رسمية
إن اعتماد لبنان على رأس المال الأجنبي، سواء من خلال تحويلات المغتربين أو عائدات السياحة، إلى جانب تنامي قوة العمل غير الرسمية، جميعها عوامل تحول دون تعافي اقتصاد البلاد أو معالجة التفاوتات المتجذرة. وفي حين أن التحرك السياسي للجاليات اللبنانية قد أحدث بعض التحولات في النتائج الانتخابية، فإن هذا ليس سوى جزء من المعادلة، إذ فشلت المساهمات الاقتصادية للتحويلات والسياحة، على الرغم من أهميتها من حيث التدفقات، في تحقيق انتعاش أو في قدرتها على الشمولية، ولا تزال القوى العاملة في لبنان تعاني من تنامي الطابع غير الرسمي. ولكي يمضي لبنان قدمًا، يتعين تبني خطة شاملة للتعافي الاقتصادي لا تقتصر على تدفقات رأس المال الأجنبي القصيرة الأجل وممارسات العمل غير الرسمية. كما توجد حاجة إلى إصلاحات هيكلية والاستثمار في رأس المال البشري والسياسات الاقتصادية الشاملة لبناء مستقبل مستدام. وفي غياب هذه التغييرات، ستظل التدفقات الأجنبية والقوى العاملة غير الرسمية مجرد تدابير مؤقتة غير قادرة على معالجة الأزمات المالية والسياسية الأعمق في لبنان.

المقالات المذكورة:
  • Dagher, Georgia. How Did the Lebanese Diaspora Vote in the 2022 Parliamentary Elections? The Public Source, [https://www.thepolicyinitiative.org/article/details/351/how-did-the-lebanese-diaspora-vote-in-the-2022-parliamentary-elections], [2 أيار 2024].
  • Cheaito, Hussein, and Zoughaib, Sami. Tourism and Remittances Are Not a Panacea for Lebanon's Financial Woes. The Public Source, [https://www.thepolicyinitiative.org/article/details/177/tourism-and-remittances-are-not-a-panacea-for-lebanons-financial-woes], [13 تموز 2022].
  • Zoughaib, Sami, and Maktabi, Wassim. Blurred Lines: Lebanon’s Mutating Workforce. The Public Source, [https://www.thepolicyinitiative.org/article/details/333/blurred-lines-lebanon%E2%80%99s-mutating-workforce], [17 كانون الثاني 2024]
العودة إلى المقالات
white icon wakilni

Got questions?
We’re here for support!

chat with us

Working Hours
Monday to Friday
from 8am till 5pm
Saturday
from 8am till 1pm

Delivering across Lebanon
within 24 to 72 hours
Range 4$ - 8$

Order a Service

Place your order quickly below or download our app and do it on the go anywhere and anytime.

track order wakilni in popup Track Orders close popup