القطاع البريدي في لبنان: من خدمة عامة إلى أداة للنفوذ السياسي والاقتصادي

09 نيسان 2025
حين تتحوّل المصلحة العامة إلى مكسب خاص
بقلم باسم جوني
يُشكّل قطاع البريد في لبنان جزءًا حيويًا من البنية التحتية الخدماتية التي تربط الدولة بمواطنيها. إلا أن مسار هذا القطاع منذ نهاية الحرب الأهلية يُظهر كيف يمكن أن تتحوّل المرافق العامة إلى أدوات تخدم مصالح ضيقة، بفعل تدخلات سياسية واقتصادية ممنهجة، إذ سيطرت عليه جهات خاصة تدريجيًا (1).

بدأت خدمة البريد في لبنان رسميًا عام 1845، عندما أنشأت الحكومة الفرنسية أول مكتب بريدي في مرفأ بيروت (1). ومع استقلال لبنان في عام 1943، أصبح قطاع البريد تابعًا لوزارة الاتصالات، وانضم لبنان إلى الاتحاد البريدي العالمي عام 1946 (1). إلا أن الحرب الأهلية اللبنانية أدت إلى توقف الخدمة البريدية. ومع انتهاء الحرب، وقّعت الحكومة اللبنانية في 1998 عقدًا بنظام BOT مع شركة كندية، لإعادة تأهيل القطاع (2).

لكن الحكومة لم تلتزم بتعهداتها تجاه الشريك الكندي، مما أدى إلى انسحابه، وبيع حصته إلى جهات لبنانية خاصة، من بينها بنك عوده، الذي يملك روابط وثيقة بالنخبة السياسية. وبمرور الوقت، تم تمديد العقد مع "ليبان بوست" من دون مناقصة حتى 2016، ومنحها امتيازات مالية كبيرة مثل تحصيل رسوم عن المعاملات الرسمية (2)(3).

وفي 2002، أصبح واضحًا حجم التداخل بين القطاع السياسي و"ليبان بوست"، مع دخول أحد رؤساء الوزراء شريكًا في الشركة من خلال شركته الخاصة (1)(2). لم تحصل الدولة خلال العقدين التاليين إلا على مبالغ زهيدة مقارنةً بالأرباح التي حققتها الشركة (3)، ما يدل على تحويل المرفق العام إلى وسيلة لتحقيق الربح الخاص على حساب المصلحة العامة.

في 2020، لم تجدّد الدولة عقد "ليبان بوست"، لكن الشركة واصلت العمل بشكل غير رسمي، بدعم من واقع سياسي وإداري هش، ومن دون وجود بديل فعلي (4). كما أن غياب هيئة تنظيمية مستقلة، وتفكك الإطار القانوني للمحاسبة، فاقما من حالة الفوضى (2)(4).

تتجاوز أهمية البريد في لبنان نقل الرسائل، إذ يشكّل بوابة للنفاذ إلى بيانات المواطنين وخدمات حيوية كالوثائق الرسمية ودفع الفواتير (1). لهذا، فإن السيطرة عليه تمثّل سلطة غير رسمية داخل أجهزة الدولة.

لم يُفلح وزير الاتصالات في السنوات الأخيرة في إتمام أي مناقصة شفافة لتلزيم القطاع، رغم إطلاق عدة جولات، بعضها شابته شبهات ومحسوبيات (1)(4). وتم إلغاء منح العقد الجديد أكثر من مرة، آخرها من قبل ديوان المحاسبة في 2023، الذي كشف عن مخالفات جوهرية (4).

إصلاح القطاع البريدي لا ينفصل عن ضرورة معالجة أزمة الحوكمة في الدولة. فاستعادته كمرفق عام، شفاف وخاضع للمساءلة، يشكّل اختبارًا لقدرة الدولة اللبنانية على تحرير المرافق العامة من قبضة الزبائنية السياسية والمالية.


المراجع:

1. حلبي، سامي، ومونسون، ليونورا، ودي سيراكابريولا، فيتوريو ماريسكا. (2024). الصراع على قطاع البريد في لبنان: ما خفي أعظم. البديل. https://thebadil.com/ar/investigations-ar/packaged-for-greed-the-hidden-agendas-behind-lebanons-postal-sector-power-grab/

2. الفرزلي، إيلي. (2019). رحلة التخبط الرسمي في إدارة «البريد». جريدة الأخبار. https://www.al-akhbar.com/Politics/275904

3. الفرزلي، إيلي. (2021). 20 عاماً من سيادة “ليبان بوست”: الدولة في خدمة شركة. المفكرة القانونية. https://legal-agenda.com/20-عاماً-من-سيادة-ليبان-بوست-الدولة-في-خ/

4. الفرزلي، إيلي. (2023). بعد 25 عاماً من السيطرة على القطاع: هل تُقصى “ليبان بوست” عن مزايدة البريد؟. المفكرة القانونية. https://legal-agenda.com/بعد-25-عاماً-من-السيطرة-على-القطاع-هل-تُق/
العودة إلى المقالات
white icon wakilni

Got questions?
We’re here for support!

chat with us

Working Hours
Monday to Friday
from 8am till 5pm
Saturday
from 8am till 1pm

Delivering across Lebanon
within 24 to 72 hours
Range 4$ - 8$

Order a Service

Place your order quickly below or download our app and do it on the go anywhere and anytime.

track order wakilni in popup Track Orders close popup